
حاوره في قطر -د.كاظم العبادي-صحيفة الرياضة العراقية
عندما يذكر اسم الحارس العراقي “فتاح نصيف العاني” يذكر معه تاريخ حافل بالذكريات الحلوة الشيقة والذكريات المريرة… ذكريات اختزنتها وسجلتها ذاكرة الكرة العراقية… تاريخ من المواقف والأحداث.
*لقب بـ “البطل الحقيقي” بعد ان اثبت جدارته في قيادة العراق للتأهل إلى الدور النهائي في تصفيات سيؤل الاولمبية (1988).
*كان احد أفضل ثلاثة حراس مرمى عرفتهم الملاعب العراقية خلال الفترة (1970-2010) حيث لم يجرؤ على منافسته ومزاحمته على هذا اللقب سوى ستار خلف، ورعد حمودي.
*وهو أفضل حارس مرمى عرفته الملاعب العراقية في رد ركلات الجزاء بلا منازع خلال (1970-2010) والأمثلة على ذلك كثيرة وأفضلها في دورة الخليج مسقط (1984) عندما قاد العراق للفوز في المباراة الفاصلة على قطر بعد ان أضاع حسين سعيد، عدنان درجال، وناظم شاكر ثلاث ركلات ترجيحية، إلا انه وقف بثبات في العرين العراقي ووظف خبرته في رد الركلات القطرية ليقود العراق إلى منصة التتويج.
*دخل التاريخ العراقي مع زملائه بأنه كان احد أعمدة العراق الأساسية الذين ساهوا في التأهل وتمثيل البلد في المرة الوحيدة التي تأهل لها العراق إلى كأس العالم في المكسيك (1986) وقاد العراق بثقة (كابتن) في مباراة العراق أمام الآمة المكسيكية التي استضافت الحدث.
الحاسوب الالكتروني الشخصي لـ فتاح نصيف يحمل في ذاكرته اسرارا هائلة من تاريخ الكرة العراقية التي تحتاج إلى مراجعة وتدقيق لاستيعاب واستنباط الدروس المهمة من اجل تصحيح أخطاء الماضي والاستفادة منها من اجل بناء الكرة العراقية، فهو يحمل ويحتفظ بذاكرة وخبرة وتاريخ (20) عاما قضاها في الملاعب كلاعب ومثلها كمدرب ودون في سيرته الذاتية انجازات تاريخية مشرفة منها المشاركة في الدورة الاولمبية – موسكو (1980)، الدورة الاولمبية – لوس انجلوس (1984)، كأس العالم – المكسيك (1986).
التقيته مؤخراً في الدوحة وجلست معه في حوار عفوي وعلى مدى ليلتين كنت مصغيا ومستمتعا لحديثه وهو يسرد جزءا مهما من تاريخ الكرة العراقية محاولا في كثير من الأحيان ان يكتم غضبه ويواري دموعه كلما هاجت به ذكريات الماضي وبعد ان سألته… لماذا لم يصل العراق إلى قمة الكرة الآسيوية والى عالم الكبار؟
لنقرا ماذا دار في حوارنا الذي سرد فيه نصيف حقائق جديدة كانت غامضة لي في لقاء طغى عليه الجانب الاجتماعي أكثر من الفني – التكتيكي حيث اتفقنا على ان يكون حوارنا القادم خاصا بالجوانب الفنية والتكتيكية التي مرت بها الكرة العراقية وفي مراحلها المختلفة.
* البداية في موسكو 1980
سألته من أين نبدأ حكاية الكرة العراقية؟ قال نصيف لنبدأ من الدورة الاولمبية في موسكو (1980) لأنها كانت تمثل أول مشاركة حقيقية عالمية لـ منتخب العراق… حيث أنها حدثت في زمن الخير وزمن كانت فيه الخزانة العراقية ملآى بأكثر من (40) مليار دولار… قال نصيف دعني من قصة التأهل إلى الاولمبياد فالقضية كلها أصبحت معروفة حيث فشلنا في التعامل مع هذا الدرس… فشل إداري كبير في إعداد وتأهيل المنتخب للمشاركة في مثل هذه التصفيات وفشل في تسمية المدرب وفشل في استغلال الأرض والجمهور والانكى من ذلك إننا لم نتعلم من ذلك الدرس وتكرر الخطأ نفسه في معظم المراحل اللاحقة… (فشل العراق في قطف بطاقة التأهل إلى اولمبياد موسكو بعد ان تأهلت الكويت بفوزها في التصفيات الموهلة في بغداد وتم تأهيل العراق بعد انسحاب معظم الدول الآسيوية من الاولمبياد بسبب غزو الاتحاد السوفيتي السابق لأفغانستان).
ماذا حدث في موسكو… يقول نصيف لا ادري ماذا أقول لك حيث استصغر العديد من لاعبي المنتخب العراقي آنذاك اسم المدرب أنور جسام الذي قاد العراق في أول مشاركة عالمية ولم يحترموه أبدا على أساس انه غير مؤهل لقيادة العراق في الدورة الاولمبية. انطباع اللاعبين هذا جاء بعد خطأ واثق ناجي التاريخي في التصفيات الاولمبية في بغداد، حيث فقد المدرب المحلي شعبيته بين اللاعبين، وكان الاعتقاد السائد ان هذا الخطأ التاريخي سيعدل وكان لاعبو المنتخب العراقي يرغبون في استقدام مدرب كبير على مستوى البرازيلي كارلوس البرتو الذي كان يقود منتخب الكويت… كان الكلام والنقاش يجري بشكل سري ومتكتم ً… وكان أعضاء المنتخب العراقي يتساءلون … من هو جسام ليقود العراق في أول مهمة عالمية؟ ما هي خبرته في قيادة المنتخب العراقي أمام المنتخبات العالمية؟ ماذا سيضيف لنا كلاعبين؟ هل يمتلك الإمكانية الفنية لتطوير اداء المنتخب؟ وكيف سيدرس خصومه؟ المنتخب العراقي في ذلك الوقت كان يضم ثلة كبيرة من نجوم الكرةً. هذه الأسئلة وغيرها حفظت وكتمت داخل قلوب اللاعبين دون ان يبادر احد او يجروء او يفكر في نقل هذه التساؤلات إلى إدارة اتحاد الكرة العراقي… باستثناء الحارس كاظم شبيب الذي كان الأكثر شجاعة والأكثر تحديا في طرح مثل هذه الأسئلة أمام الجميع.
اشعر بالخجل عندما أخبرك بأننا كنا مهمشين، لا احد يسأل عن رأينا ويبادر احد لمعرفة أفكارنا ورغباتنا وكان الجميع يستكثرون علينا ابسط الحقوق تصور إننا ذهبنا إلى هذا العرس العالمي – كاس العالم – وهو الحدث الأول في تاريخ الكرة العراقية بـ التراكسوتات (الملابس الرياضية) فقط، واستكثروا علينا ارتداء البدلات الرسمية التي لم نزود بها… لا ادري لماذا؟ حضرنا بملابسنا الاعتيادية مع إننا كنا مستعدين للدفع مقابل ان نظهر بالمنظر اللائق أمام العالم والحفاظ على أناقتنا التي عرفنا بها الجمهور العراقي والعربي… أرادوا إذلالنا أمام نجوم الرياضة العالمية لأسباب اجهلها.
طلبت في موسكو من احد زملائي ان نسأل عن المدرب الروسي الدكتور يوري الذي قاد العراق في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات وتم طرده بعد ذلك وبعد ان وصف بـ (الـ….) من قبل خبراء الكرة في العراق… قال لي ان المهمة صعبة للغاية لأننا نجهل حتى اسمه الكامل… أقنعته بالمحاولة… ذهبنا إلى إحدى الشابات المرافقات للمنتخب العراقي… قالت أعطوني معلومات عن الرجل قلت لها لا اعرف غير اسمه الأول… قالت ان يوري اسم مشهور في الاتحاد السوفيتي وهناك نسبة كبيرة من السوفيات يطلقون هذا الاسم على أبنائهم ثم أضافت أن المهمة صعبة للغاية وتبدو مستحيلة لأني كمن يبحث عن إبرة في كومة قش… تذكرت بأني أعطيتها الفترة الزمنية التي عمل فيها يوري بـ العراق ربما يكون اسمه موجودا في حاسبة اتحاد كرة القدم السوفيتي. انتظرت فترة ثم جاءني الرد من الفتاة المرافقة بعد يومين توقعت أنها جاءت لتعتذر لكنني فوجئت باعتذارها عن إمكانية إجراء المقابلة مع “يوري” الذي كان مشغولاً للغاية في حينه بسبب منصبه كمدير تخطيطي لكرة القدم في الاتحاد السوفيتي السابق وهو مطالب بالتنقل لمتابعة وتنظيم والإشراف على مباريات الكرة في الدورة الاولمبية… قال فتاح تفاجأت الفتاة السوفيتية مني كثيراً عندما أطلقت ضحكة عالية بعد سماعي كلامها هذا… وقالت لي لماذا كل هذا الضحك… قلت لها هذا الرجل يوري الذي يقود مستقبل الكرة السوفيتية كان العراق قد طرده وتخلى عن خدماته وخبرته ووصف من قبل المتخلفين بـ “الغبي”. أعتقد ان يوري تعمد عدم زيارة المنتخب العراقي لان العراق لم يحترمه وكانت طريقة إبعاده مهينة وخاطئة وغير لائقة… والمشكلة إننا لم نتعلم من هذا الدرس حيث تكرر درس يوري مع مدربين أجانب كبار في مراحل لاحقة… مع الأسف الشديد أننا لا نحسن التعامل مع هؤلاء والتصرف بالاحترافية اللازمة مع كل من نتعاقد معهم من مدربين وخبراء.
وأفضل مثال على ذلك ما حصل مع المدرب الالماني الشرقي رايشلت الذي كان ضحية أخرى من ضحايا اتحاد كرة القدم العراقي. ظروف الحياة الصعبة دفعت رايشلت للقبول بالعمل في العراق براتب لا يتعدى (185) دينار عراقي شهريا نصفها تحول مساعدة إلى الجيش الالماني ونصفها الآخر إلى جيب رايشلت الشخصي… اجر متواضع ومبلغ زهيد لا يليق بالمدرب الأجنبي ايا كان! يضيف نصيف: لقد وقفت إلى جانب رايشلت لأني تعلمت منه ووجدت فيه إمكانيات فنية – تكتيكية جيدة… عمل رايشلت على بناء نادي الجيش من نقطة الصفر حيث كنت أنا اللاعب الدولي الوحيد في الفريق ثم قام بـ استدعاء عدد من اللاعبين غير المعروفين إطلاقا من الوحدات العسكرية… تكتيكيا كان رايشلت يمتلك القدرة والخبرة وكان له أسلوب دقيق جدا في تعامله وكانت خططه وجميع برامجه التدريبية يحددها ويكتبها سلفاً (كان له برنامج واضح)، وكان الرجل أول من يحضر إلى الملعب قبل فترة من حضور اللاعبين… وقاد رايشلت العراق للفوز على منتخب الكويت الذي كان في قمة مستوى الكرة الكويتية (في نهائيات كأس العالم العسكرية في دمشق – 1978، بفارق الركلات الترجيحية) في العصر الذهبي للكرة الكويتية التي فازت على العراق في نهائي كأس الخليج الدوحة (1976)، وفي قبل النهائي لكأس آسيا إيران (1976) وأعاد بذلك هيبة كرة القدم العراقية أمام الكويت على الأقل، وفي الوقت الذي كنت أتوقع فيه ان يقود رايشلت المنتخب العراقي لاحقا، تم استدعاءه إلى اتحاد كرة القدم العراقي لمناقشته في هذا الموضوع كنت شاهدا على المعاملة السيئة التي تعرض لها رايشلت حيث ذهبت معه إلى مقر الاتحاد، كان من المفروض ان يتم اللقاء معه في الساعة السادسة مساءاً، انتظر رايشلت حتى الساعة التاسعة ولم تتم مقابلته او الاعتذار منه او تأجيل الاجتماع… قرر رايشلت بعد هذا الحادث فسخ عقده مع العراق وقرر مغادرة البلد وترك عمله… موقف زادني احتراماً لهذا الرجل. كان من الممكن جداً ان يخدم الكرة العراقية… هذا مثال بسيط على معاملة واحترام العراق للمدرب الأجنبي.
في موسكو قدمنا ما علينا في أول مشاركة عالمية لنا بدون ان نحمل خبرة سابقة، وبلا إعداد حقيقي، ومع ذلك تأهلنا إلى دور الثمانية وكان ترتيبنا الثامن… كانت تجربة وخبرة عظيمة لنا. الشيء الوحيد الذي ندمت عليه كان في مباراة العراق – يوغسلافيا في الدور الأول حيث كنا متقدمين على يوغسلافيا بهدف دون مقابل ثم احتسب حكم المباراة ركلة حرة غير مباشرة داخل منطقة الجزاء العراقي – جاءني الحكم مسرعاً ليأخذ الكرة من يدي ويقدمها للخصم مباشرة لتنفيذ الركلة بسرعة قبل تشكيل الجدار أمام اللاعبين المنفذين… ثقتي بالحكم واعتقادي بعدالته وحياديته جعلني أقدم الكرة له بسهولة ولو عرفت نية الحكم هذه لرفضت تقديم الكرة له او رميها بعيداً ونلت انذاراً منه لأضمن تشكيل الجدار من قبل اللاعبين قبل التنفيذ. لو فزنا في تلك المباراة ربما لانتقلنا إلى الطريق الأسهل بدلا من مقابلة المانيا الشرقية التي هزمتنا (4-0) في دور الثمانية.
احبتنا القراء تابعوا الجزء الثاني من اللقاء

1 Comment