بقلم الاستاذ الدكتور فاطمة حسن عبد الباسط مرجان

يمثل التكيف مع الحمل البدني حجر الزاوية في العملية التدريبية حيث يعكس مدى الاستفادة من عملية التدريب، والمعيار الوحيد الذي يمكن من خلاله التعرف على معدل التكيف هو مستوى الأداء الذي وصل إليه اللاعب خلال المراحل المختلفة للتدريب. ويتم التكيف مع التدريب الرياضي على مراحل وهى:- 1)    الإخلال بالتوازن بين الأعضاء الداخلية والبيئة.
2)    تنظيم عملية مواجهة الإخلال مع توسيع المدى الوظيفي.
3)    تشكيل تكوينات جديدة تمكن من التغلب على عوامل الإخلال بصورة أفضل عند تكراراها.
4)    ارتفاع مستوى ثبات الأجهزة التي حدث فيها التكيف.
5)    تراجع عمليات التكيف عند نقص التدريب.

ويذكر Marc (2000) أنه تم تعريف التكيف للتدريب الرياضي على أسس فسيولوجية وبيوكيميائية منذ عشرينات القرن الماضي ولم يتم تعديل هذا التعريف حتى الستينات من نفس القرن. ومع التقدم الهائل في العلوم الفسيولوجية والبيوكيميائية أصبح من اللازم توضيح التكيف على أسس ومحاور مختلفة تبدأ من التكيف العام وتتخصص حتى مستوى البيولوجية الجزيئية.
وأصبحت البيولوجيا الجزيئية من الموضوعات العلمية التي تنمو بسرعة كبيرة في وقتنا الحالي، وتعرف بأنها دراسة التركيبات الجزيئية والعوامل التي وراء العمليات البيولوجية. ولم تعد فسيولوجيا الرياضة والتدريب تقتصر على مجرد دراسة التغيرات الفسيولوجية على مستوى الأجهزة الحيوية فقط بل تطورت طبيعة الدراسات الحديثة حتى وصلت إلى مستوى دراسة تلك التغيرات على مستوى الخلية وما هو داخل الخلية من لويفات وفتائل عضلية والميتوكوندريا والبروتينات والإنزيمات وغيرها، وجاء ذلك كتطور طبيعي ملازم لسرعة تطور الاكتشافات العلمية في مجال البيولوجيا الجزيئية.

وتحتوى الخلية البشرية على حوالي 30000 نوع من الجينات المختلفة وكل جين من هذه الجينات مسئول عن بناء بروتين خلوي خاص، ويتم تنظيم بناء هذه البروتينات من خلال إشارات خلوية تقوم بجعل جينات معينة تعمل أو لا تعمل، وهذه الثورة في المعلومات الحالية في مجال بيولوجيا الجزئ تساعـد على تطوير مستوي الأداء البشري. ومن هذه البروتينات بـروتينى عامـل بناء الأوعية الدموية Vascular Endothelial Growth Factor (VEGF) – وعامل نمو اللويفات العضلية Fibroblast Growth Factor FGF)).

ويلعب عامل بناء الأوعية الدموية (VEGF) الدور الرئيسي في الأوعية الدموية وهو عامل موسع للأوعية الدموية ومخصص لبناء الخلايا الطلائية بها. وهو عبارة عن (5) أنواع كلهم نشأوا من أصل جيني واحد ولكن يختلفون في الوزن الجزئ والتأثيرات الحيوية، وعامل (VEGF) يزيد من حجم ونمو وإصلاح الأوعية الدموية. وقد أشار Jensen ( 2004) أن نقص الأكسجين يعتبر أكبر مؤثر لتنشيط جين إنتاج VEGF وله نوعان من المستقبلات الخاصة التي توجد على جدار الأوعية الدموية فقط، ودوره في بناء الأوعية الدموية يتأكد عندما لوحظ أنه في الأفراد الذين يعانون من نقص في أحد الجينات المنتجة له نتج عنه تقصير في إنتاج الأوعية الدموية. وتعتبر مهمة عامل بناء الأوعية الدموية  VEGFهي انقسام الخلايا الطلائية والسماح بانتقال الخلايا من الداخل إلى الخارج وإيقاف عملية التكسير الداخلي. كما يعمل VEGF على زيادة قطر الوعاء الدموي وزيادة نفاذية الأوعية الدموية وزيادة تشعبها لينتج فروع من الوعاء الدموي الرئيسي، وبالتالي يزيد من شبكة الأوعية الدموية في العضلات الهيكلية. ونتيجة الاستجابة للمجهود الرياضي تزيد الشعيرات الدموية في كل ليفة عضلية وبناء أوعية دموية جديدة، حيث أن شبكة الشعيرات الدموية في العضلة العاملة يمكن أن تزيد 240 مرة مقارنة بحجمها في وقت الراحة.

ويعتبر بروتين عامل نمو اللويفات العضلية FGF واحداً من عائلة نمو اللويفات العضلية والمكونة من (23) بروتين، وتلعب بروتينات هذه العائلة دوراً أساسياً في القيام بوظائف مختلفة منها:-
1)    إصلاح الخلايا التالفة.
2)    الحفاظ على الوظيفة المثالية لأجهزة الجسم المستهدفة.
3)    النمو قبل وبعد الولادة.
4)    تجديد أنواع مختلفة من الأنسجة من خلال تعزيز الانتشار الخلوي.

كما يوضح Michael Lam (2009) أن عامل نمو اللويفات العضلية FGF يعمل على نمو الخلايا الليفية داخل الجسم. وتعتبر الخلايا الليفية هي اللبنات الأساسية للأنسجة الليفية، بما في ذلك الدماغ والجهاز العصبي، والعين، والأوعية الدموية والقلب والمعدة والجلد والكبد والكلى والعضلات والعظام. كما أن معظم الخلايا داخل هذه الأجهزة تمتلك مستقبلات عامل نمو اللويفات العضلية FGF، وبالتالي فهي عرضة للتأثير البيولوجي. وتنقسم عملية بناء الأوعية الدموية كاستجابة للتدريب الرياضي إلى نوعين هما:-
1)    النوع الأول: عن طريق نمو الشعيرات الدموية والذي يشير إلى زيادة تشعب الشعيرات الدموية من شعيرات موجودة أساساً.
2)    النوع الثاني: إعادة تشكيل الأوعية الدموية والذي يشير إلى عملية تكبير وتوسيع أوعية دموية سواء كانت جديدة أو موجودة من قبل وخصوصاً في الشرايين الدقيقة.

وتؤدي زيادة مساحة الشعيرات الدموية ونموها إلى توفير كمية أكبر من الأكسجين المحمول عن طريق الدم إلى الخلية العضلية حيث لا تستطيع العضلات الاستمرار في العمل العضلي بدون أكسجين أكثر من بضع ثواني ولكن يمكن أن يستمر العمل العضلي لأكثر من دقيقة في حالة استمرار إمداد العضلات بالأكسجين. والتأكيد المستمر والمتزايد تجاه الوصول إلى الإنجاز الرياضي، قاد العلماء للبحث عن طرق تدريب يكون لها تأثيرات إيجابية على الأداء. ويؤدى التعب من المجهود البدنى إلى فقد القدرة على الأداء الحركى السليم وظهور الأخطاء، لذلك يجب الربط بين تحسين الأداء وتحمل السرعة والتكيف للجهد المبذول، حيث يجب المحافظة على مستوى عال من المهارة تحت ضغط العمل.

ويعتبر الحد الأقصى لاستهلاك الأكسجين مؤشرا لكثير من الوظائف الفسيولوجية ومنها كفاءة عمليات توصيل الأكسجين إلى الأنسجة ويرتبط ذلك بحجم الدم ومقدرة الأوعية الدموية على تحويل سريان الدم من الأنسجة غير العاملة إلى العضلات العاملة، وكذلك يكون مؤشرا على كفاءة العضلات في استهلاك الأكسجين أي كفاءة عمليات التمثيل الغذائي وإنتاج الطاقة، فزيادة عدد الميتوكوندريا والشعيرات الدموية بالليفة العضلية يساعد على استقبال الليفة للأكسجين الكافي لها خلال فترة المجهود العضلي، وبناء على ذلك فإن اللويفة العضلية الأكثر عدداً في الميتوكوندريا والشعيرات الدموية وتركيز الهيموجلوين تعتبر الأعلى كفاءة وسعة للعمل الهوائي ومقاومة التعب.

وبما إن شبكة الأوعية الدموية المغذية للعضلات من المحددات الهامة جداً لقدرة الفرد الرياضية، والعلاقة بين زيادة شبكة الأوعية الدموية ونموها ومستوي المجهود الرياضي تحدد بقدرة VEGF ، FGF بمعني أنه كلما زادت معدلات كلاً منهما زادت شبكة الأوعية الدموية ونموها وزاد عدد الألياف العضلية وبالتالي تحسن مستوي الفرد رياضياً. وعلى الرغم من المصداقية والموضوعية اللتين عزز بهما المجال الطبي في نتائج التجارب العلمية في الحقل الرياضي، إلا أن هناك العديد من الاستفسارات والأسرار فيما يتعلق بحجم وردود أفعال أجهزة الجسم المختلفة، وتوقيتاتها والتي تنتج عن الخضوع لضغوط الأحمال البدنية التي لم تتضح بعد. وفي هذا الصدد يؤكد Schneider وآخرون على أهمية تطبيق البيولوجيا الجزيئية في المجال الرياضي بهدف تحسين الأداء البدني. وعمليات التكيف التي تستهدف وظائف القلب والدورة الدموية ونظم التنفس وكذلك أنشطة الأنزيمات والإمداد بنظام الطاقة الهوائية، هذه التكيفات تصل إلى مستوى جيد خلال فترة زمنية من (2-3 ) أسابيع بينما يحتاج هذا الإنجاز إلى فترات زمنتية أطول في حالة التكيف الهيكلي المورفولجى.

ويؤدى المجهود البدنى المنظم إلى زيادة شبكة الأوعية الدموية عن طريق زيادة معدلات كل من عامل بناء الأوعية الدموية VEGF وعامل بناء اللويفات العضلية FGF مما يعمل على زيادة الشعيرات الدموية باللويفة العضلية وبالتالى زيادة تدفق الدم المحمل بالأكسجين في كل ليفة عضلية، مما يؤدى إلى تأخير الشعور بالتعب وزيادة القدرة على الأداء. كما يذكر Colin (2005) أن ممارسة تدريبات التحمل بإنتظام تعمل على زيادة معدلات سريان الدم وحجم القلب، والأساس الفسيولوجي لهذه الزيادات يرجع إلى الزيادة في عدد وحجم الأوعية الدموية كعملية تكيف في هذه الأوعية، وأيضاً لوجود تغيرات في الجهاز العصبي الهرموني والذي يتحكم في نمو الأوعية الدموية نتيجة الاستجابة لهذه التدريبات. حيث يؤدى التكيف للتدريبات إلى حدوث عملية تنشيط مختلفة لإنتاج العوامل المؤثرة على نمو الأوعية الدموية مثل (VEGF – FGF) خلال التمرين الرياضي في العضلات الهيكلية.

ويتفق هذا مع دراسة د/أمال كحيل والتي أشارت إلى أن المجهود الرياضي سواء كان طويل المدى أو قصير المدى يزيد من نمو وعدد الأوعية الدموية والخلايا الطلائية بصرف النظر عن نوع المجهود أو شدته، بينما ترتبط زيادة VEGF بتكرار المجهود الرياضي ويستجيب للتكرار حتى يصل إلى مرحلة التكيف، حيث يساعد المجهود الرياضي على سرعة الدورة الدموية وزيادة سريانها ويزيد تدفق الدم الذي يحتاج إلى أوعية وشعيرات دموية جديدة وكذلك إلى زيادة قطر الوعاء الدموي، حيث أن زيادة معدلات VEGF تحتاج إلى زيادة نفاذية الأوعية الدموية وتشعبها الذي ينتج من الوعاء الدموي الرئيسي لاستيعاب زيادة سريان الدم إلى العضلات.

وقد أوضحت العديد من الدراسات الحديثة طريقة عمل عامل بناء الأوعية الدموية VEGF، وعامل نمو اللويفات العضلية FGF على مستوى البيولوجية الجزيئية، كما أوضحت العلاقة بين نمو الشعيرات الدموية وبناء الأوعية الدموية الدقيقة الحديثة. حيث أكدت الدراسات على وجود علاقة بين التكيف للتدريب الرياضي وزيادة نمو الشعيرات الدموية سواء كانت عموماً أو على مستوى القلب وخاصة في حالة زيادة حجم القلب (القلب الرياضي). ويؤكد بهاء الدين سلامة (2009) على أن الانتقال من حالة الراحة إلى حالة التمرين البدني يؤدى إلى ظهور تغيرات عديدة في مختلف أعضاء وأجهزة الجسم، وخاصة النظام القلبي الوعائى، وأول تغير يحدث في هذا المجال هو التغير في وظيفة القلب والأوعية الدموية والرئتين، حيث يزداد تدفق الدم إلى الرئتين وبالتالي تزداد التهوية الرئوية مما يزيد من نسبة استهلاك الأكسجين مقارنة بنسبتها في حالة الراحة. وترتبط الاستجابة التي تحدث للنظام القلبي الوعائي نتيجة التدريب الرياضي بالتغيرات الحادثة في وظائف القلب وأيضاً بالتغيرات في الدم وكميته المتدفقة إلى الجهاز العضلي للوفاء بمتطلبات عمليات البناء والهدم داخل العضلات المشاركة في الأداء البدني وكل ذلك نطلق عليه التكيف المرتبط بالتدريب.

وقـد أثبت دراسة  Ferrarوآخرون أن المجهود الرياضي يؤدي إلى زيادة معدلات كل من (VEGF – FGF) سواء كان الفرد رياضياً أم لا، فهو يعتبر مؤشر صادق لحدوث الاستجابات الرياضية سواء الحادة (الوقتية) أو المزمنة (المتكررة بالمجهود). كما أن مقدار الدم والهيموجلوبين يزداد كنتيجة للتدريب الهوائي، مما يزيد من قدرة الدم على حمل الأكسجين، بالإضافة إلى زيادة الدم الواصل للعضلات بواسطة شعيرات جديدة تولدت أو تكاثرت داخل كتلة العضلة. وأكدت بعض الدراسات على أن التكيف للمجهود البدني يؤدى إلى زيادة معدلات كل من عامل بناء الأوعية الدموية VEGF، وعامل نمو اللويفات العضلية FGF كاستجابة لنقص الأكسجين. مما يدل على انتشار الأوعية الدموية بالعضلة وزيادة كثافة الشعيرات الدموية نتيجة للمجهود والانقباضات العضلية المتكررة، وهذا يكون حافز قوى لإعادة وبناء الأوعية الدموية مما يزيد من عددها واتساعها فتساعد في زيادة كفاءة الجسم على تحمل الأداء.

No comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *